قبلتك

لم يكن أذان جامع سيدي رويفع الأنصاري  بصوته الحنون ونبرته الحزينة هو الذي أيقظني في ذلك الفجر الرائع ... ولا أصوات هدير السيارات التي تأتي مخترقة سكون وصمت المدينة النائمة ...ولا لفحات البرد القارصة ... التي تأتي من فجوة صغيرة في شق بجانب نافذة غرفتي  لكنه جرح أخر جديد يضاف إلى ذاكرتي المثقلة أصلاً بالجراح ... انسحبتُ ببطء من فراشي اللذيذ ووقفتُ أتأمل الفراغ وأنصت إلى السكون الذي يملأ  طرقات مدينتي الخالية ... كان صوته يتسلل إلى القلب  كالدفء في أوصالي الباردة ... كالحنين الممتلئ بالفقدان والتيه والغياب

الصلاة خير من النوم .... الصلاة خير من النوم .. ثم خطوات متسرعة مستعجلة تتجه صوب المسجد .. وروحي تتجه صوب الصوت المفعم بالحنين ... الممتلئ بالبكاء  .

يتسلل صوته إلى الأعماق .. كالشعاع الضئيل الهارب من نجم تائه في سماء بعيدة ... استيقظتْ أشياء دفينة وقديمة  مع عودة الخطوات المتسرعة من صلاة الفجر ... جلستُ إلى طاولتي .... أعبث بمؤخرة قلمي الرصاص ... أخط كلمات .. كانت كلماتي مجرد ظلال هاربة من ذاكرة مجروحة وقلب يائس .. نعست قبل أن أكمل كلماتي التي تاهتْ ورحلت .. ثم أصبحتْ في قارة أخرى بعيدة  ... يممتُ وجهي شطر القبلة  ودعوت له في سري ... ونمت

لكن الخطوات المتسارعة  الراكضة ظلت  تمزق سكون مدينتي وتمزق سكينتي وتخترق دعائي الطويل الذي أصوبه مع نسائم الفجر نحو قارة بعيدة باتجاه قبلتك . 

بيننا بحر

بيننا بحر وشمس و... صحراء   والمتوسط يغمس أمواجه ويكتب أشواقه على الرمال

طقس حار ومناخ بارد

نار وثلج

وعلى حافة القمر تطل كلماتنا .. لتطوق خاصرة الكون

وعلى مسافة ما من لهب الشمس  تختلس كلماتي النظر

إلى الضفة الأخرى من اليابسة الغارقة في صقيع الغربة وفي الثلج

نكتب معاً .. نفس الكلمات

ننحت

أشوقاً  وحنيناً لا يطاق

تعبث بحروفنا رياح الزمن

تُمحى

ما إن تمحى حتى تعود لترتسم من جديد .

أما الجمال الذي أراه في حضورك.. فأنه  يزداد فتنة كلما تقدم بنا العمر . 

سيدي

يا سيدي هناك أنا أجلس بين إغفاءة سن القلم وحاشية الورقة مازلتُ مصرة على اللقاء بك في ظلال الكلمات .وفي الزاوية الخلفية للأبجديات وعند مفترق طرق الخطوط حيث تتقاطع دون لقاء

كما الوطن

أيها المسكون في أعماقي كما الوطن ..

ستوقظك الفواصل والنقاط من غفوتك ..

وستهزك الشدة بعنف وستشاكسك حتى السكون

وتحركك العبارات
لتصحو من سباتك على رائحة حبي المعلق في الهواء أمام شرفات قلبك .